نكمل :
السبب الثالث / التقوى :
التقوى هي : الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل ، وقيل بأن التقوى : أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ، بفعل الطاعات ، وترك المحرمات ، ومن تعريفات التقوى أيضا هو : أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ( أي كما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ) ترجو ثواب الله ، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله ، قال تبارك وتعالى { إن المتقين في جنات وعيون } ، وقال تعالى : " إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر " .
لقد أعد الله الجنة لعباده المتقين ، قال تبارك وتعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين } ، وقال صلى الله عليه وسلم : " أكثر ما يدخل الناس الجنة التقوى وحسن الخلق ، وأكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج " [ أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد سلسلة الأحاديث الصحيحة 977 ] .
السبب الرابع / طاعة الله تبارك وتعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم :
قال تبارك وتعالى : { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ، ومن يتولى يعذبه عذابا أليماً } ، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " ، قالوا يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال : " من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى " [ فتح الباري بشرح صحيح البخاري 13 /249 ] .
السبب الخامس / الجهاد في سبيل الله :
الجهاد في سبيل الله من أعظم القربات ، وأفضل الطاعات ، وصاحبه بأعلى المنازل ، وأفضل الدرجات ، ويكون الجهاد في سبيل الله بالقتال بالنفس والمال ، قال الله تبارك وتعالى : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن } ، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم . تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون . يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها النهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم } .
عن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي ، وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي ، أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ ، أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، وَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ " [ أخرجه البخاري ] ، وأجر الشهيد أعظم الأجور ، ومنزلته أعلى المنازل ، ومكانته أرفع الأماكن في الجنة ، كيف لا ، وقد قدم روحه فداءً في سبيل الله تعالى ، قدم جمجمته لتضرب في سبيل الله عز وجل ، من أجل إعلاء كلمة التوحيد خفاقة عالية ، رجاء ثواب الآخرة ، وكرامة الله للمجاهدين ، وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا ، وَلَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ ، إِلَّا الشَّهِيدُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا ، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ ، لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ " [ أخرجه البخاري ] ، وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ : يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ ـ يعني دفعة من دمه ـ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ ـ يعني يوم البعث من القبور ـ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ [ أخرجه الترمذي وأحمد ] ، عن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ ، كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ، وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ ، أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ " ، وقال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه ، أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ ، وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ! أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ ، وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ ، اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ ، قَالَ : " يَا أُمَّ حَارِثَةَ ! إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى " ، وعن عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِي اللَّه عَنْهمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ " ، وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ : أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا ؟ قَالَ : " فِي الْجَنَّةِ " ، فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ " [ أخرجها البخاري ] .
السبب السادس / التوبة :
فالتوبة تجب ما قبلها ، أي أنها تمحو الخطايا ، وتزيل الرزايا ، لا سيما إذا تحققن فيها شروطها الخمسة :
1- الإخلاص لله في التوبة . فلا تكون التوبة لمجرد أن يرى الناس أن فلاناً تاب ، من باب الظاهر دون الباطل ، ومن فعل ذلك فقد أقحم نفسه النار على بصيرة ، لأن الله تعالى يقول في محكم التنزيل : " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً " ، وقال تعالى : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي ، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ " [ أخرجه مسلم ] .
2- الإقلاع عن الذنب .
3- الندم على ما فات .
4- العزم على عدم العودة للذنب .
5- الصدق في التوبة ، وذلك بأن يعلن التوبة لله تعالى صادقاً من قلبه ، خاشعاً لله متذللاً لله سبحانه وتعالى .
وكما قال صلى الله عليه وسلم : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " [ رواه ابن ماجة وغيره ، صحيح الجامع 3008] ، وقال تبارك وتعالى : { إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلون شيئا } .
السبب السابع / الاستقامة على دين الله :
قال تبارك وتعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون . أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاءا بما كانوا يعملون } ، وعن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك . قال ( قل آمنت بالله ثم استقم ) [رواه مسلم شرح صحيح مسلم لنووي : 2/367] .
السبب الثامن / طلب العلم الشرعي ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى :
في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ...ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له به طريقا إلى الجنة ،و ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) [ شرح صحيح مسلم لنووي 17/24] .
السبب التاسع / بناء المساجد :
في صحيح البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة " [ فتح الباري 1/544 ] .
السبب العاشر / حسن الخلق :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ بَاطِلٌ بُنِيَ لَهُ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا ، وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا " [ أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة ، انظر صحيح الجامع 1464 ] ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ ؟ فَقَالَ : " تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ " ، وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ ؟ فَقَالَ : " الْفَمُ وَالْفَرْجُ " [ أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد ] ، وعَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْتُ : أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ : " كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ " [ أخرجه أحمد ] ، ورسولنا صلى الله عليه وسلم ، هو قدوتنا وقد امتدحه تبارك وتعالى بقوله : { وإنك لعلى خلق عظيم } ، فلننظر في كتاب الله تبارك وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسيرته وسيرة أصحابه رضي الله عنهم لنتعلم ما هو الخلق الحسن وكيف نكتسبه . ومن أفضل الكتب التي تحدثت عن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه كتاب : ( مختصر الشمائل المحمدية ) للإمام الترمذي رحمه الله ، اختصار وتحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني .
السبب الحادي عشر / ترك المراء :
قال صلى الله عليه وسلم : " أنا زعيم بيت في ربض الجنة ، لمن ترك المراء وإن كان محقا ... " [ تقدم تخريجه ] . ومعنى ربض : أي أدناها وأسفلها ، أو ما حولها خارجاً عنها .